فصل: قال الشنقيطي:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.قال الشنقيطي:

قوله تعالى: {وَتَرَى الْجِبَالَ تَحْسَبُهَا جَامِدَةً وَهِيَ تَمُرُّ مَرَّ السَّحَاب} الآية.
هذه الآية تدل بظاهرها على أن الجبال يظنها الرائي ساكنة وهي تسير، وقد جاءت آيات أخر تدل على أن الجبال راسية، والراسي هو: الثابت في محل كقوله تعالى: {وَالْجِبَالَ أَرْسَاهَا}.
وقوله: {وَأَلْقَى فِي الأرْضِ رَوَاسِيَ أَنْ تَمِيدَ بِكُمْ} وقوله: {وَالأَرْضَ مَدَدْنَاهَا وَأَلْقَيْنَا فِيهَا رَوَاسِيَ}.
وقوله: {وَجَعَلْنَا فِيهَا رَوَاسِيَ شَامِخَاتٍ}.
ووجه الجمع ظاهر وهو أن قوله: {أَرْسَاهَا} ونحوه يعني في الدنيا، وقوله وهي تمر مر السحاب يعني في الآخرة بدليل قوله: {وَيَوْمَ يُنْفَخُ فِي الصُّورِ فَفَزِعَ مَنْ فِي السَّمَاوَات} ثم عطف على ذلك قوله: {وَتَرَى الْجِبَالَ}..الآية.
ومما يدل على ذلك النصوص القرآنية على أن سير الجبال في يوم القيامة كقوله تعالى: {وَيَوْمَ نُسَيِّرُ الْجِبَالَ وَتَرَى الأَرْضَ بَارِزَة} وقوله: {وَسُيِّرَتِ الْجِبَالُ فَكَانَتْ سَرَابًا}. اهـ.

.قال صاحب الأمثل:

والآية التالية تشير إلى إحدى آيات عظمة الله في هذا العالم الواسع، فتقول: {وترى الجبال تحسبها جامدة وهي تمر مرّ السحاب صنع الله الذي اتقن كل شيء}.
فمن يكون قادرًا على كل هذا النظم والإبداع في الخلق، لا ريب في علمه و{إنّه خبير بما تفعلون}.
يعتقد كثير من المفسّرين أن هذه الآية تشير إلى الحوادث التي تقع بين يدي القيامة، لأننا نعرف أن في نهاية هذه الدنيا تقع زلازل وانفجارات هائلة، وتتلاشى الجبال وتنفصل بعضها عن بعض، وقد اشير الى هذه الحقيقة في السور الأخيرة من القرآن كرارًا.
ووقوع الآية في سباق آيات القيامة دليل وشاهد على هذا التّفسير.
إلاّ أن قرائن كثيرة في الآية تؤيد تفسيرًا آخر، وهو أن الآية آنفة الذكر من قبيل آيات التوحيد ودلائل عظمة الله في هذه الدنيا، وتشير إلى حركة الأرض التي لا نحس بها.
وتوضيح ذلك:
1- إنّ الآية تقول: تحسب الجبال ساكنة وجامدة مع أنّها تمرّ مرّ السحاب، وهذا التعبير واضح أنّه لا ينسجم مع الحوادث التي تقع بين يدي القيامة، لأنّ هذه الحوادث من الوضوح بمكان بحيث يعبر عنها القرآن {يوم ترونها تذهل كل مرضعة عما أرضعت وتضع كل ذات حمل حملها وترى الناس سكارى وما هم بسكارى}.
2- تشبيه حركة الجبال بحركة السحاب يتناسب مع الحركات المتناسقة الهادئة، ولا يتناسب والإنفجارات العظيمة التي تصطك منها المسامع!.
3- التعبير الآنف الذكر يدلّ على أنّه في الوقت الذي ترى الجبال بحسب الظاهر جامدة، إلاّ أنّها في الواقع تتحرك بسرعة على حالتها التي ترى فيها جامدة أي أن الحالتين تبينان شيئًا واحدًا.
4- والتعبير بالإتقان الذي يعني الإحكام والتنظيم، يتناسب زمان استقرار نظام العالم، ولا يتناسب وزمان انهياره وتلاشيه.
5- جملة {إنّه خبير بما تفعلون} مع ملاحظة أنّ {تفعلون} فعل مضارع، تدل على أنّها تتعلق بهذه الدنيا، لأنّها تقول: إن الله خبير بأعمالكم التي تصدر في الحال والمستقبل. ولو كانت ترتبط بانتهاء العالم، لكان ينبغي أن يقال: إنّه خبير بما فعلتم. فتأملوا بدقّة.
ويستفاد من مجموع هذه القرائن أنّ هذه الآية تكشف عن إحدى عجائب الخلق، وهي في الواقع تشبه ما جاء في الآيتين آنفتي الذكر: {ألم يروا أنا جعلنا الليل ليسكنوا فيه}.
وبناءً على ذلك فالآيات محل البحث قسم منها في التوحيد، وقسم منها في المعاد!.
وما نستنتجه من هذا التّفسير، هو أن هذه الجبال التي نتصورها ساكنة {جامدة} هي في سرعة مطرّدة في حركتها ومن المقطوع به أنّه لا معنى لحركة الجبال من دون حركة الأرض المتصلة بها، فيتّضح من الآية أنّ الأرض تتحرك كما يتحرك السحاب!.
ووفقًا لحسابات علماء اليوم فإنّ سرعة حركة الأرض حول نفسها تقرب من (30) كيلومتر في كل دقيقة، وسرعة سيرها في حركتها الإنتقالية حول الشمس أكثر من هذا المقدار.
لكن علام عُني بالجبال دون غيرها؟ لعل ذلك إنّما هو لأنّ الجبال يضرب بها المثل لثقلها وقرارها، وتعدّ مثلا حسنًا لبيان قدرة الله سبحانه، فحيث إن هذه الجبال على عظمتها وما فيها من ثقل، تتحرك كالسحاب بأمر الله مع الأرض فقدرته على كل شيء بينة، وثابتة!
وعلى كل حال، فالآية آنفة الذكر تعدّ من معاجز القرآن العلمية لأننا نعلم أن أوّل العلماء الذين اكتشفوا حركة كرة الأرض هو غاليو الإيطالي وكبرنيك اللذين أظهرا هذه الحقيقة للملأ في أواخر القرن السادس عشر وأوائل القرن السابع عشر! بالرغم من أن رجال الكنيسة حكموا عليهما حكمًا صارمًا، وتعرضًا لمضايقات كثيرة.
إلاّ أنّ القرآن كشف الستار عن وجه هذه الحقيقة قبل ذلك بألف عام تقريبًا وبيّن حركة الأرض بالأسلوب الآنف الذكر على أنّها بعض أدلة التوحيد!
ويرى بعض فلاسفة الإسلام، في الوقت الذي يقبلون فيه التّفسير الثاني، وهو الإشارة إلى حركة الجبال في هذا العالم، أن الآية ناظرة إلى الحركة الجوهرية في الأشياء، واعتقدوا أنّ الآية منسجمة والنظرية المعروفة بالحركة الجوهرية ومؤيدة لها. اهـ.

.قال محمود غريب في كتابه سورة الواقعة ومنهجها في العقائد:

وإذا كان سير الجبال- في الدنيا- عجيبا فإن سورة النمل- التي ذكرت الآية الكريمة فيها- هي سورة العجائب، لقد جاء فيها خبر سليمان مع الطير {وَقَالَ يَا أَيُّهَا النَّاسُ عُلِّمْنَا مَنْطِقَ الطَّيْرِ وَأُوتِينَا مِنْ كُلِّ شَيْءٍ إِنَّ هَذَا لَهُوَ الْفَضْلُ الْمُبِينُ (16)} وقصة الهدهد بتمامها يمكن أن نقرأها في السورة الكريمة، وهى عجيبة، وفي السورة حديث النملة مع سليمان {قَالَتْ نَمْلَةٌ يَا أَيُّهَا النَّمْلُ ادْخُلُوا مَسَاكِنَكُمْ لَا يَحْطِمَنَّكُمْ سُلَيْمَانُ وَجُنُودُهُ وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ (18) فَتَبَسَّمَ ضَاحِكًا مِنْ قَوْلِهَا} كما أن السورة الكريمة ذكرت قصة سليمان والعفريت {قَالَ عِفْرِيتٌ مِنَ الْجِنِّ أَنَا آتِيكَ بِهِ قَبْلَ أَنْ تَقُومَ مِنْ مَقَامِكَ وَإِنِّي عَلَيْهِ لَقَوِيٌّ أَمِينٌ (39)} ومن الأحداث العجيبة التي ذكرتها السورة الكريمة، خبر الرجل الذي عنده علم من الكتاب، وكيف استطاع أن ينقل عرش ملكة اليمن، في أقل من طرفة عين: {قَالَ الَّذِي عِنْدَهُ عِلْمٌ مِنَ الْكِتَابِ أَنَا آتِيكَ بِهِ قَبْلَ أَنْ يَرْتَدَّ إِلَيْكَ طَرْفُكَ} وأشارت السورة الكريمة إلى الجانب الحضارى والعمرانى في مملكة سليمان.
عمران لم يشهد العالم مثله في أرقى دولة. فقد بنى قصرا على أرضية من زجاج أملس ثم دعا ملكة سبأ إلى دخول القصر، فظنته لجة من ماء راكد، فكشفت عن ساقيها فأعلمها سليمان بالحقيقة {قِيلَ لَهَا ادْخُلِي الصَّرْحَ فَلَمَّا رَأَتْهُ حَسِبَتْهُ لُجَّةً وَكَشَفَتْ عَنْ سَاقَيْهَا قَالَ إِنَّهُ صَرْحٌ مُمَرَّدٌ مِنْ قَوَارِيرَ قَالَتْ رَبِّ إِنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي وَأَسْلَمْتُ مَعَ سُلَيْمَانَ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ (44)}.
ومن الأمور العجيبة التي ذكرتها سورة النمل، أن الخاطئين من قوم لوط، حكموا على الأطهار من أهله بالخروج من القرية، وعللوا الخروج بتعليل عجيب، قال تعالى: {فَمَا كَانَ جَوَابَ قَوْمِهِ إِلَّا أَنْ قَالُوا أَخْرِجُوا آلَ لُوطٍ مِنْ قَرْيَتِكُمْ إِنَّهُمْ أُنَاسٌ يَتَطَهَّرُونَ (56)}.
إن التطهر في المجتمع القذر جريمة، يعاقب عليها بالطرد، وويل للشرفاء في غياب الفضيلة.
وفى السورة الكريمة جاء ذكر للدابة التي تخرج من الأرض- عند قرب موعد الآخرة- تكلم الناس معاتبة، ومسفهة لهم قال تعالى: {وَإِذَا وَقَعَ الْقَوْلُ عَلَيْهِمْ أَخْرَجْنَا لَهُمْ دَابَّةً مِنَ الْأَرْضِ تُكَلِّمُهُمْ أَنَّ النَّاسَ كَانُوا بِآيَاتِنَا لَا يُوقِنُونَ (82)}.
فالسورة الكريمة- سورة النمل- كلها عجائب، والكون مشحون بأسرار لا يحيط بها علم البشر.
ولما كانت السورة الكريمة تخبر بعجائب الأخبار، التي لم يألفها الناس- في حياتهم اليومية- نرى القرآن قد أكد نزوله من عند الله مرتين، مرة في أول السورة قال تعالى: {تِلْكَ آيَاتُ الْقُرْآنِ وَكِتَابٍ مُبِينٍ (1) هُدًى وَبُشْرَى لِلْمُؤْمِنِينَ (2)}.
وفى قوله تعالى: {وَإِنَّكَ لَتُلَقَّى الْقُرْآنَ مِنْ لَدُنْ حَكِيمٍ عَلِيمٍ (6)}.
ومرة أخرى، قال تعالى: {وَأُمِرْتُ أَنْ أَكُونَ مِنَ الْمُسْلِمِينَ (91) وَأَنْ أَتْلُوَ الْقُرْآنَ}. اهـ.

.تفسير الآيات (91- 93):

قوله تعالى: {إِنَّمَا أُمِرْتُ أَنْ أَعْبُدَ رَبَّ هَذِهِ الْبَلْدَةِ الَّذِي حَرَّمَهَا وَلَهُ كُلُّ شَيْءٍ وَأُمِرْتُ أَنْ أَكُونَ مِنَ الْمُسْلِمِينَ (91) وَأَنْ أَتْلُوَ الْقُرْآنَ فَمَنِ اهْتَدَى فَإِنَّمَا يَهْتَدِي لِنَفْسِهِ وَمَنْ ضَلَّ فَقُلْ إِنَّمَا أَنَا مِنَ الْمُنْذِرِينَ (92) وَقُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ سَيُرِيكُمْ آيَاتِهِ فَتَعْرِفُونَهَا وَمَا رَبُّكَ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ (93)}.

.مناسبة الآية لما قبلها:

قال البقاعي:
ولما أتم الدين بذكر الأصول الثلاثة: المبدأ والمعاد والنبوة، ومقدمات القيامة وأحوالها، وبعض صفتها وما يكون من أهوالها، وذلك كمال ما يتعلق بأصول الدين على وجوه مرغبة أتم ترغيب، مرهبة أعظم ترهيب، أوجب هذا الترغيب والترهيب لكل سامع أن يقول: فما الذي نعمل ومن نعبد؟ فأجابه المخاطب بهذا الوحي.
المأمور بإبلاغ هذه الجوامع، الداعي لمن سمعه، الهادي لم اتبعه، بأنه لا يرضى له ما رضي لنفسه، وهو ما أمره به ربه، فقال: {إنما أمرت} أي بأمر من لا يرد له أمر، ولا يعد أن يكون بدلًا من قوله: {الحمد لله وسلام على عباده الذين اصصفى} فيكون محله نصبًا بقل، وعظم المأمور به بإحلاله محل العمدة فقال: {أن أعبد} أي بجميع ما أمركم به {رب} أي موجب ومدبر وملك؛ وعين المراد وشخصه وقربة تشريفًا وتكريمًا بقوله: {هذه البلدة} أي مكة التي تخرج الدابة منها فيفزع كل من يراها، ثم تؤمن أهل السعادة، أخصه بذلك لا أعبد شيئًا مما عدلتموه به سبحانه وادعيتم أنهم شركاء، وهم من جملة ما خلق؛ ثم وصف المعبود الذي أمر بعبادة أحد غيره بما يقتضيه وصف الربوبية، وتعين البلدة التي أشار إليها بأداة القرب لحضورها في الأذهان لعظمتها وشدة الإلف بها وإرادتها بالأرض التي تخرج الدابة منها، فصارت لذلك بحيث إذا أطلقت البلدة انصرفت إليها وعرف أنها مكة، فقال: {الذي حرمها} تذكيرًا لهم بنعمته سبحانه عليهم وتربيته لهم بأن أسكنهم خير بلاده، وجعلهم بذلك مهابة في قلوب عباده، بما ألقى في القلوب من أنها حرم، لا يسفك بها دم، ولا يظلم أحد، ولا يباح بها صيد، ولا يعضد شجرها، وخصها بذلك من بين سائر بلاده والناس يتخطفون من حولهم وهم آمنون لا ينالهم شيء من فزعهم وهولهم.
ولما كانت إضافتها إليه إنما هي لمحض التشريف، قال احتراسًا عما لعله يتوهم: {وله كل شيء} أي من غيرها مما أشركتموه به وغيره خلقًا وملكًا وملكًا، وليس هو كالملوك الذين ليس لهم إلا ما حموه على غيرهم.
ولما كانوا ربما قالوا: ونحن نعبده بعبادة من نرجوه يقربنا إليه زلفى، عين الدين الذي تكون به العبادة فقال: {وأمرت} أي مع الأمر بالعبادة له وحده، وعظم المفعول المأمور به بجعله عمدة الكلام بوضعه موضع الفاعل فقال: {أن أكون} أي كونًا هو في غاية الرسوخ {من المسلمين} أي المنقادين لجميع ما يأمر به كتابه أتم انقياد، ثابتًا على ذلك غاية الثبات.
ولما بين ما أمر به في نفسه، أتبعه ما تعم فائدته غيره فقال: {وأن أتلو القرآن} أي أواظب على تلاوته وتلوه- أي اتباعه- عبادة لربي، وإبلاغًا للناس ما أرسلت به إليهم مما لا يلم به ريب في أنه من عنده، ولأكون مستحضرًا لأوامره فأعمل بها، ولنواهيه فأجتنبها، وليرجع الناس إيه ويعولوا في كل أمر عليه.
لأنه جامع لكل علم.
ولما تسبب عن ذلك أن من انقاد له نجى نفسه، ومن استعصى عليه أهلكها، قال له ربه سبحانه مسليًا ومؤسيًا ومرغبًا ومرهبًا: {فمن اهتدى} أي باتباع هذا القرآن الداعي إلى الجنان {فإنما يهتدي لنفسه} لأنه يحييها بحوزة الثواب، ونجاته من العقاب، فإنما أنا من المبشرين، أبشره أنه من الناجين {ومن ضل} أي عن الطريق التي نهج وبينها من غير ميل ولا عوج {فقل} له كما تقول لغيره: {إنما أنا من المنذرين} أي المخوفين له عواقب صنعه، وإنما فسره ورده فلم أومر به الآن {وقل} أي إنذارًا لهم وترغيبًا وترجية وترهيبًا: {الحمد} أي الإحاطة بأوصاف الكمال {لله} أي الذي له العظمة كلها سواء اهتدى الكل وضل الكل، أو انقسموا إلى مهتد وضال، لأنه لا يخرج شيء عن مراده.
ولما كانت نتيجة ذلك القدرة على كل شيء قال: {سيريكم} أي في الدنيا والآخرة بوعد محقق لا شك في وقوعه {آياته} أي الرادة لكم عما أنتم فيه يوم يحل لي هذه البلدة الذي حرمها بما أشار إليه جعلي من المنذرين وغير ذلك ما يظهر من وقائعه ويشتهر من أيامه التي صرح أو لوح بها القرآن، فيأتيكم تأويله فترونه عيانًا، وهو معنى {فتعرفونها} أي بتذكركم ما أتوعدكم الآن به وأصفه لكم منها، لا تشكون في شيء من ذلك أنه على ما وصفته ولا ترتابون، فتظهر لكم عظمة القرآن، وإبانة آيات الكتاب الذي هو الفرقان، وترون ذلك حق اليقين {ولتعلمن نبأه بعد حين} [ص: 88]، {يوم يأتي تأويله يقول الذين نسوه من قبل قد جاءت رسل ربنا بالحق} [الأعراف: 53]، {هذا ما وعد الرحمن وصدق المرسلون} [يس: 52].
ولما كان قد نفس لهم بالسين في الآجال، وكان التقدير تسلية له صلى الله عليه وسلم: وما ربك بتاركهم على هذا الحال من العناد لأن ربك قادر على ما يريد، عطف عليه قوله: {وما ربك} أي المحسن إليك بجميع ما أقامك فيه من هذه الأمور العظيمة والأحوال الجليلة الجسيمة {بغافل عما تعملون} أي من مخالفة أوامره، ومفارقة زواجره، ويجوز أن تكون الجملة حالًا من فاعل {يرى} أي ربكم غير غافل، ومن قرأ بالخطاب كان المعنى: عما تعمل انت وأتباعك من الطاعة.
وهو من المعصية، فيجازي كلًا منكم بما يستحق فيعلي أمرك، ويشد إزرك، ويوهن أيدهم، ويضعف كيدهم، بما له من الحكمة، والعلم ونفوذ الكلمة، فلا يظن ظان أن تركه للمعالجة بعقابهم لغفلة عن شيء من أعمالهم، إنما ذلك لأنه حد لهم حداهم بالغوه لا محالة لأنه لا يبدل القول لديه، فقد رجع آخرها كما ترى بإبانة الكتاب وتفخيم القرآن وتقسيم الناس فيه إلى مهتد وضال إلى أولها، وعانق ختامها ابتداءها بحكمة منزلها، وعلم مجملها ومفصلها، إلى غير ذلك مما يظهر عند تدبرها وتأملها- والله الموفق للصواب، وإليه المرجع والمآب. اهـ.